فصل: الخبر عن عهد السلطان لابنه أبي مالك وما كان عقب ذلك من خروج القرابة عليه أولاد أخيه إدريس وإجازتهم إلى الأندلس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن فتح مراكش ومهلك أبي دبوس وانقراض دولة الموحدين من المغرب:

لما رجع السلطان أبو يوسف من حرب يغمراسن ورأى أن قد كفى عدوه وكف غربه ورد من كيده وكيد أبي دبوس صريخه صرف حينئذ عزائمه إلى غزو مراكش والعودة إلى مضايقتها كما كان لأول أمره ونهض لغزاته من فاس في شعبان من سنته ولما جاوزوا أم الربيع بث السرايا وسرح الغارات وأطلق الأيدي والأعنة للنهب والعيث فحطموا زروعها وانتسفوا آثارها وتقرى نواحيها كذلك بقية عامة.
ثم غزا عرب الخلط من جشم بتادلا فأثخن فيهم واستباحهم ثم نزل وادي العبيد ثم غزا بلاد صنهاجة ولم يزل ينقل ركابه بأنحاء البلاد المراكشية وأحوازها حتى حضرت صدور بني عبد المؤمن وقومه وأغزاهم أولياء الدولة من عرب جشم بنهوض الخليفة لمدافعة عدوه فجمع لذلك وبرز في جيوش ضخمة وجموع وافرة واستجره أبو يوسف بالفرار أمامه ليبعد عن مدد الصريخ فيستمكن منه حتى نزل عفو ثم كر إليه والتحم القتال فاختل مصافه وفرت عساكره وانهزم يريد مراكش فأدركوه دون أمله وأعتاقه أجله فطعن في مفره وخر صريعا لليدين وللفم واجتز رأسه وهلك بمهلكه وزيره عمران وكاتبه علي بن عبد الله المغيلي وارتحل السلطان أبو يوسف إلى مراكش وفر من كان بها من الموحدين فلحقوا بجبل تينملل وبايعوا اسحق أخا المرتضى فبقي ذبالة هنالك سنين ثم تقبض عليه سنة أربع وسبعين وستمائة وسيق إلى السلطان هو وأبو سعيد ابن عمه السيد أبي الربيع والقبائلي وأولاده فقتلوا جميعا وانقرض أمر بني عبد المؤمن والله وارث الأرض ومن عليها.
وخرج الملاء وأهل الشورى من الحضرة إلى السلطان فأمنهم ووصلهم ودخل مراكش في بروز فخم فاتح سنة ثمان وستين وستمائة وورث ملك آل عبد المؤمن وتولاه واستوسق أمره بالمغرب وتطامن الناس لبأسه وسكنوا الظل سلطانه وأقام بمراكش إلى رمضان من سنته وأغزى ابنه الأمير أبا مالك إلى بلاد السوس فافتتحها وأوغل في ديارها ودوخ أقطارها ثم خرج بنفسه إلى بلاد درعة فأوقع بهم الوقيعة المشهورة التي خضدت من شوكتهم ورجع لشهرين من غزاته ثم أجمع الرحلة إلى داره بفاس فعقد على مراكش وأعمالها لمحمد بن علي بن يحيى من كبار أوليائهم ومن أهل خؤلته وكان من طبقة الوزراء حسبما يأتي التعريف به وبعشيرته وأنزله بقصبة مراكش وجعل المسالح في أعمالها لنظره وعهد الله بتدويخ الأقطار ومحو آثار بني عبد المؤمن وفصل إلى حضرته في شوال وأراح بسلا فكان من خبر عهده لابنه ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن عهد السلطان لابنه أبي مالك وما كان عقب ذلك من خروج القرابة عليه أولاد أخيه إدريس وإجازتهم إلى الأندلس:

لما تلوم السلطان بسلا منصرفه من رباط الفتح وأراح بها ركائبه عرض له طائف من المرض ووعك وعكا شديدا فلما أبل جمع قومه وعهد لابنه فيهم أبي مالك عبد الواحد كبير ولده لما علم من أهليته لذلك وأخذ له البيعة عليهم فأعطوها طواعية وأسف القرابة من ولد أخويه عبد الله وإدريس لأمهما سوط النساء ووجدوا في أنفسهم لما يرون أن عبد الله وإدريس أكابر ولد عبد الحق ولهما التقدم على من بعدهما من ولده وأنهما أحق بالأمر فرجعت هنت إلى أذنابها ونفسوا عن ابن السلطان لما أخذ له من البيعة والعهد ونزعوا عنه إلى جبل علودان من جبال غمارة عش خلافهم ومدرج فتنتهم وذلك سنة تسع وستين وستمائة ورياستم يومئذ لمحمد بن إدريس وموسى بن رحو بن عبد الله وخرج معهم ولد أبي عياد بن عبد الحق وأغزاهم السلطان ولده أبا يعقوب يوسف في خمسة آلاف من عسكره فأحاط بهم وأخذ بمخنقم ولحق به أخوه أبو مالك في عسكره ومعه مسعود بن كانون شيخ سفيان ثم خرج في أثرهم السلطان أبو يوسف واجتمع معسكرهم بتافكا ونازلوهم ثلاثا وهلك في حروبهم منديل بن ورتطليم ولما رأوا أن أحيط بهم سألوا الأمان فبذله وأنزلهم واستل سخائمهم ومسح ما في صدورهم ووصل بهم إلى حضرته وسألوا منه الأذن في اللحاق بتلمسان حياء من كبر ما ارتكبوه فأذن لهم وأجازوا البحر إلى الأندلس وخالفهم عامر بن إدريس لما أنس من صاغية السلطان إليه فتخلف عنهم بتلمسان حتى توثق لنفسه بالعهد وعاد إلى قومه بعد منازلة السلطان بتلمسان كما نذكره الآن.
واحتل بنو إدريس وعبد الله وابن عمهم أبو عياد باندلس على حين أقفر من الحامية جوها واستأسد العدو على ثغرها وغلبت شفاههم فاحتلوها أسودا ضارية وسيوفا ماضية معودين لقاء الأبطال وقراع الحتوف والنزال مستغلظين بخشونة البداوة وصرامة العز وبسالة التوحش فعظمت نكايتهم في العدو واعترضوا شجي في صدره دون الوطن الذي كان طعمه له في ظنه وارتدوه على عقبه ونشطوا من همم المسلمين المستضعفين وراء البحر وبسطوا من آمالهم لمدافعة طاغيتهم وزاحموا أمير الأندلس في رياستها بمنكب فتجافى لهم عن خطة الحرب ورياسة الغزاة من أهل العدوة من أعياصهم وقبائلهم ومن سواهم من أمم البرابرة وتناقلوه وساهموه في الجباية لفرط العطاء والديوان فبذله لهم واستمدوا على العدو وحسن أثرهم فيها كما نذكره بعد في أخبار القرابة ثم أعمل السلطان نطره في غزو تلمسان على ما نذكره إن شاء الله تعالى.